|

ندوب نفسية  

الكاتب : الحدث 2022-04-01 10:07:20

بقلم - محمد بن مرضي 
 
هل نحن متأزمون نفسياً ؟ .. أو دعوني أصيغها بشكل أخر هل يوجد لدينا فئات في المجتمع مأزومة نفسياً ؟ .. يبدو أن هناك شريحة من المجتمع لديها توقعات رومانسية حالمة بعيدة كل البعد عن عالمنا الواقعي المتسم حالياً ببعض القسوة والألم ، وهذا مرتبط بالظروف العالمية والمحلية التي تصنع واقعنا المعاش يومياً ، وبالتالي نحن جزء من هذا العالم ولابد أن نتكيف معه حتى نستطيع تجاوز صعوباتنا النفسية .
ولكن الغريب في الأمر وهذا ما لفت نظري لكتابة هذا المقال هو شعور التفرد الذي يتبناه كثير من الأشخاص ، ويرون بأنهم أيقونات لم يخلق مثلها من قبل ، وإحساسهم الدائم بالاستحقاق أي أن لهم توقعات عالية من كافة العلاقات الاجتماعية ، ويتوقعون معاملة راقيه لهم من الجميع مهما كانت صفة الطرف الآخر ، ويتطلعون إلى حفاوة زائدة تجاه وجودهم في أي مكان ، ولديهم ولاء خالص لأفكارهم التي يتبنونها ، وكأن هذه الحقوق لهم خاصة دون غيرهم من البشر بمعنى آخر يرون أنهم (شعب الله المختار).
إن ما ذكرته آنفاً هي مؤشرات حقيقية للهشاشة النفسية الداخلية التي يعاني منها هؤلاء الأشخاص ، وهذا النمط السلوكي من الشخصية وطريقة التفكير يعد من الحيل الدفاعية التي يستخدمونها لتغطية عوراتهم النفسية والنقص الحاصل في شخصياتهم ،  وربما تكون نتيجة طبيعية لنمط التربية مفرطة الدلال أو الإسراف في الحماية الأسرية خلال تنشئتهم الاجتماعية ، علماً بأننا رأينا هذا الأمر في أشخاص راشدين وكبار في السن ولم يقتصر الأمر على الشباب من كلا الجنسين .
لم أكن أتخيل أن حجم هذه المشكلة سيتفاقم لدرجة أنني لا أستطيع أن استرسل في الحوار مع أحدهم إلا وتجدوه يستتر خلف مصطلح تم استهلاكه كثيراً وهو (التنمر) ، نحن أمام أشخاص يعتبرون أنفسهم ضعفاء وهشين نفسياً يسقطون أمام أول حوار بالدليل والبرهان ، بل تجدهم أحياناً يتحدثون بلغة الضحية ، وتُجرح مشاعرهم بأقل شي ، ويشعرون بالإهانة من أقل كلمة ، وهذا الضعف حقيقة يحطم صلابتهم النفسية ، ويجعلهم عرضةً للدمار الشامل مع أول صدمة حقيقية في حياتهم .
وهذه الشخصيات تحديداً تتكون لديها عادةً (ثقافة اللاحكم) فتصبح مفرطة الحساسية تجاه إصدار الأحكام ، فتسمع منهم عبارات مثل لا تحكم عليّ ، دع الخالق للخالق ، انشغل بنفسك ، أنا حر ، أنا سعيد بتفكيري ، ولذلك نجد الكثير من هذه الشخصيات لجأت لما يسمى بـ (المساحات الآمنة) وهي المجتمعات التي توفر لهم مناخاً لا يعترض فيه أحد على أحد ولا ينصح فيه شخص شخص آخر وتغيب فيه معاني الحوار الحقيقي خوفاً من انكشاف عورتهم وهشاشتهم النفسية .
إن الهشاشة النفسية هي أسلوب تربية ونمط تفكير وليست مرض ،  ومن أجل تدارك هذه الأزمة الغير طبيعية لهؤلاء الأشخاص الذين يعانون من فراغ عاطفي وشعور بالخواء وتعظيم للمشاعر وحساسية زائدة وفقدان القدرة على التحمل واللجوء المستمر إلى الاستشارة النفسية والهروب من الحكم وكراهية الحكم على الأشخاص وتبرير كل الأفعال بدعوى الحالة النفسية ولغة الضحية والتنمر ، لابد لهم من التعامل مع ظروف الحياة وقسوتها والأشخاص الصارمين فيها بتعزيز صلابتهم النفسية وتوكيد ذواتهم بطريقة متوازنة تخلصهم من رقائق الثلج الهشة التي بدواخلهم والنظر إلى أحلامهم الكبرى ومشاريعهم المُلهمة بعيون واثقة وشخصيات مرنة نفسياً وعقلياً .